المجلس الحادي والسبعون : في بيان عيد الفطر
سورة الأعلى - ( بسم الله الرحمن الرحيم )
( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) تَطَهَّرَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَّةِ، أَوْ تَكَثَّرَ مِنَ التَّقْوَى وَالزَّكَاِء . أَوْ تَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ، أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ ) بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ ( فَصَلَّى ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِيْ ) وَيَجُوْزُ أَنْ يُرَادَ بِالذِّكْرِ تَكْبِيْرَةُ التَّحْرِيْمِ، وَقِيْلَ مَنْ تَزَكَّى تَصَدَّقَ لِلْفِطْرِ ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) كَبَّرَ يَوْمَ الْعِيْدِ فَصَلَّى صَلَاتَهُ ( بَلْ تُؤْثِرُوْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) فَلَا تَفْعَلُوْنَ مَا يُسْعِدُكُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَالْخِطَابُ لِلْأَشْقَى عَلَى الْاِلْتِفَاتِ أَوْ عَلَى إِضْمَارِ قُلْ أَوْ لِلْكُلِّ فَاِنَّ السَّعْيَ لِلدُّنْيَا أَكْثَرُ فِي الْجُمْلَةِ ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) فَاِنَّ نَعِيْمَهَا مُتَلَذَّذٌ بِالذَّاتِ خَالِصٌ عَنِ الْغَوَائِلِ لَا انْقِطَاعَ لَهُ ( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُوْلَى) الْإِشَارَةُ إِلَى مَاسَبَقَ مِنْ قَدْ أَفْلَحَ فَاِنَّهُ جَامِعُ أَمْرِ الدِّيَانَةِ وَخُلَاصَةُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ ( صُحُفُِ إِبْرَاهِيْمَ وَمُوْسَى ) بَدَلٌ مِنَ الصُّحُفِ الْأُوْلَى، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ قَرَأَ سُوْرَةَ الْأَعْلَى أَعْطَاهُ اللهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ بِعَدَدِ كُلِّ حَرْفٍ أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَمُوْسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) . (قاضی بیضاوى) . عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ( إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ آمِيْنَ ، ثُمَّ صَعِدَ الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ آمِيْنَ ، ثُمَّ صَعِدَ الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ آمِيْنَ ، ثُمَّ اسْتَوَى فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : صَعِدْتَ فَأَمَّنْتَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَمَا حِكْمَتُهُ يَارَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ أَتَانِيْ جَبْرَائِيْلُ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يَصُمْ إِلَى آخِرِهِ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ دَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللهُ مِنْهَا فَقُلْتُ آمِيْنَ، وَقَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُبِرَّهُمَا فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ مِنْهَا قُلْتُ آمِيْنَ، وَقَالَ مَنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ اسْمُكَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ دَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ مِنْهَا فَقُلْتُ آمِيْنَ » (زبدة) قِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) يَعْنِى بِرَّ الْوَالِدَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَنْ لَّا تَعْبُدُوْا إِلَّا إِيَّاهُ وَبَالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) يَعْنِى مَنْ تَرَكَ الْمَيْلَ إِلَى الظُّلْمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَا تَرْكَنُوْا إِلَى الَّذِيْنَ ظَلَمُوْا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) يَعْنِى مَنْ تَرَكَ الْغِيْبَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) يَعْنِى مَنْ تَرَكَ مَحَبَّةَ الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُوْنٌ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ ) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّي) يَعْنِى مَنْ ذَكَرَ اللهَ كَثِيْرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيْرًا) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) يَعْنِى مَنْ صَبَرَ عَلَى مُصِيْبَةِ اللهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُوْنَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) يَعْنِى مَن تَطَهَّرَ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيْقَهُمْ بَعْضَ الَّذِيْ عَمِلُوْا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُوْنَ) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) يَعْنِى بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيْمَانًا ) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) يَعْنِى بِإِخْلَاصِ عَمَلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُو۟لـٰۤىِٕكَ یُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَـاتٍ) وَقِيْلَ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) یَعْنِى نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَي كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (شيخ زاده) عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ ( إِذَا صَامُوْا شَهْرَ رَمَضَانَ وَخَرَجُوْا إِلَى عِيْدِهِمْ يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى : يَا مَلَائِكَتِيْ كُلُّ عَامِلٍ يَطْلُبُ أَجْرَهُ وَعِبَادِيْ الَّذِيْنَ صَامُوْا شَهْرَهُمْ وَخَرَجُوْا إِلَى عِيْدِهِمْ يَطْلُبُوْنَ أُجُوْرَهُمْ اِشْهًَدُوْا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَيُنَادِيْ مُنَادٍ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ارْجِعُوْا إِلَى مَنَازِلِكُمْ قَدْ بُدِلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ بِالْحَسَنَاتِ ، فَيَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى : يَا عِبَادِيْ صُمْتُمْ لِيْ وَأَفْطَرْتُمْ لِيْ فَقُوْمُوْا مَغْفُوْرًا لَكُمْ » (زبدة الواعظين ) عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : (رَمَضَانُ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَوَسْطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النِّيْرَانِ ) وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( إِنَّ اللهَ يَعْتِقُ فِيْ كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ عَتِيْقٍ مِنَ النَّارِ مِمَّنْ اسْتَوْجَبَ الْعَذَابَ إِلَى لَيْلَةِ الْقَدَرِ ، وَفِي لَيْلَةِ الْقَدَرِ يَعْتِقُ بِعَدَدِ مَنْ أُعْتِقَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ، وَفِي يَوْمِ الْفِطْرِ يَعْتِقُ بِعَدَدِ مَنْ أَعْتَقَ فِي الشَّهْرِ وَلَيْلَةِ الْقَدَرِ » (تنبيه الغافلين) عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ ( صَوْمُ الْعَبْدِ مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى يُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ ، وَإِذَا أَدَّى صَدَقَةَ الْفِطْرِ جَعَلَ اللهُ لَهُ جَنَاحَيْنِ أَخْضَرَيْنِ يَطِيْرُ بِهِمَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، ثُمَّ يِأْمُرُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ فِيْ قِنْدِيْل مِنْ قَنَادِيْلَ الْعَرْشِ حَتَّى يَأْتِى صَاحِبُهُ ) ( زبدة ) قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : لِلْمُؤْمِنِ خَمْسَةُ أَعْيَادٍ : الْأَوَّلُ كُلُّ يَوْمٍ يَمُرُّ عَلَى الْمُُؤْمِنِ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ ذَنْبٌ فَهُوَ يَوْمُ عِيْدٍ . وَالثَّانِيْ الْيَوْمُ الَّذِيْ يَخْرُجُ فِيْهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالْإِيْمَانِ وَالشَّهَادَةِ وَالْعِصْمَةِ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ فَهُوَ يَوْمُ عِيْدٍ . وَالثَّالِثُ الْيَوْمُ الَّذِيْ يُجَاوِزُ فِيْهِ الصِّرَاطَ وَيَأْمَنُ مِِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَيَخْلِصُ مِنْ أَيْدِى الْخُصُوْمِ وَالزَّبَانِيَّةِ فَهُوَ يَوْمُ عِيْدٍ وَالرَّابِعُ الْيَوْمُ الَّذِيْ يَدْخُلُ فِيْهِ الْجَنَّةَ وَيَأْمَنُ مِنَ الْجَحِيْمِ فَهُوَ يَوْمُ عِيْدٍ . وَالْخَامِسُ الْيَوْمُ الَّذِيْ يَنْظُرُ فِيْهِ إِلَى رَبِّهِ فَهُوَ يَوْمُ عِيْدٍ ( أبو الليث ) . وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « إِنَّ إِبْلِيْسَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ يَصِيْحُ فِيْ كُلِّ يَوْمِ عِيْدٍ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُهُ عِنْدَهُ فَيَقُوْلُوْنَ يَا سَيِّدَنَا مَنْ أَغْضَبَكَ إِنَّا نُكَسِّرُهُ، فَيَقُوْلُ لَاشَيْءَ وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِيْ هَذَا الْيَوْمِ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُشْغِلُوْهُمْ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ حَتَّى يُبْغِضَهُمُ اللهُ ، فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ فِيْ يَوْمِ الْعِيْدِ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالْمَنَاهِيْ وَيُدَاوِمُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اجْتَهِدُوْا يَوْمَ الْفِطْرِ فِي الصَّدَقَةِ وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالتَّسْبِيْحِ وَالتَّهْلِيْلِ، فَاِنَّهُ الْيَوْمَ الَّذِيْ يَغْفِرُ اللهُ تَعَالَى فِيْهِ ذُنُوْبَكُمْ وَيَسْتَجِيْبُ دُعَاءَكُمْ وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِالرَّحْمَةِ » (دَرَّةُ الْوَاعِظِيْنَ).( حُكِيَ ) أَنَّ صَالِحَ بْنَ عَبْدِ اللهِ كَانَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ ذَهَبَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَرَجَعَ بَعْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ إِلَى دَارِهِ وَجَمَعَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ عِنْدَهُ وَجَعَلَ عَلَى عُنُقِهِ سِلْسِلَةً مِنْ حَدِيْدٍ وَهَالَ الرَّمَادَ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ وَبَكَى بُكَاءً شَدِيْدًا، فَقَالُوْا يَا صَالِحُ هَذَا يَوْمُ الْعِيْدِ وَيَوْمُ السُّرُوْرِ فَمَا حَالُكَ هَذَا ، فَقَالَ عَرَفْتُ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَنَا عَبْدٌ أَمَرَنِيْ رَبِّيْ أَنْ أَعْْمَلَ عَمَلًا لَهُ فَعَمِلْتُ، فَلَا أَدْرِيْ أَقَبِلَهُ أَمْ لَا، وَكَانَ يَجْلِسُ فِيْ طَرَفِ الْمُصَلَّى فَقِيْلَ لَهُ لِمَ لَا تَجْلِسُ فِيْ وَسْطِ الْمُصَلَّى ؟ قَالَ جِئْتُ سَائِلًا لِلرَّحْمَةِ وَهَذَا مَجْلِسُ السَّائِلِيْنَ (زُبْدَةُ الْْوَاعِظِيْنَ ) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ يَبْعَثُ اللهُ الْمَلَائِكَةَ فَيَهْبِطُوْنَ إِلَى الْأَرْضِ فِيْ كُلِّ الْبِلَادِ، فَيَقُوْلُوْنَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ اُخْرُجُوْا إِلَى رَبٍّ كَرِيْمٍ، فَاِذَا بَرَزُوْا إَلَى مُصَلَّاهُمْ يَقُوْلُ اللهُ اِشْهَدُوْا يَا مَلَائِكَتِيْ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ عَلَى صِيَامِهِمْ رَضَايَ وَمَغْفِرَتِيْ، وَيُقَالُ إِنَّ الْحِكْمَةَ فِيْ عِيْدِ الدُّنْيَا تَذْكِرَةٌ عِيْدَ الْآخِرَةِ، فَاِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ بَعْضُهُمْ يَذْهَبُ مُشَاةً وَبَعْضُهُمْ رُكْبَانًا وَبَعْضُهُمْ لَابِسًا وَبَعْضُهُمْ عُرْيَانًا وَبَعْضُهُمْ يَلْبَسُ أَطْلَسًا يَمْنَعُ وَبَعْضُهُمْ بَلَاسًا وَبَعْضُهُمْ لَاعِبًا ضَاحِكًا وَبَعْضُهُم بَاكِيًا، فَاذْكُرْ سَيْرَ الْقِيَامَةِ فَاِنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِيْنَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا. وَنَسُوْقُ الْمُجْرِمِيْنَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ) وَقَالَ اللهُ تَعَالَى ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِى الصُّوْرِ فَتَأْتُوْنَ أَفْوَاجًا ) وَقَالَ اللهُ تَعَالَى ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوْهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوْهٌ ) وَلِذَا قِيْلَ إِنَّ الْأَعْيَادَ مُصِيْبَةٌ لِلْأَيْتَامِ وَلِبَعْضِ أَصْحَابِ الْأَمْوَاتِ . حُكِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( أَنَّهُ خَرَجَ لِصَلَاةِ الْعِيْدِ وَالصِّبْيَانُ يَلْعَبُوْنَ وَفِيْهِمْ صَبِيٌّ جَالِسٌ فِيْ مُقَابَلَتِهِمْ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِذْلَةٌ وَهُوَ يَبْكِيْ، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُ : أَيُّهَا الصَّبِيُّ مَالَكَ تَبْكِى فَلَا تَلْعَبُ مَعَهُمْ ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ الصَّبِيُّ، فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الرَّجُلُ مَاتَ أَبِيْ بَيْنَ يَدَيِ رَسُوْلِ اللهِ فِيْ غَزْوَةِ كَذَا وَتَزَوَّجَتْ أُمِّيْ وَأَكَلَتْ أَمْوَالِيْ وَأَخْرَجَنِيْ زَوْجُهَا مِنْ بَيْتِيْ، وَلَيْسَ لِيْ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ وَلَا ثِيَابٌ وَلَا بَيْتٌ، فَلَمَّا نَظَرْتُ الْيَوْمَ إِلَى الصِّبْيَانِ ذَوِى الْآبَاءِ أَخَذَتْنِيْ مُصِيْبَةُ أَبِيْ فَلِذَلِكَ أَبْكِيْ، فَأَخَذَهُ رَسُوْلُ اللهِ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ يَاصَبِيُّ هَلْ تَرْضَانِيْ أَنْ أَكُوْنَ أَبًا وَعَائِشَةَ أُمًّا وَعَلِيًّا عَمًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ أَخَوَيْنِ وَفَاطِمَةَ أُخْتًا لَكَ؟ فَعَرَفَ الصَّبِيُّ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ، فَقَالَ لِمَ لَا أَرْضَى يَارَسُوْلَ اللهِ؟ فَحَمَلَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَلْبَسَهُ أَحْسَنَ الثِّيَابِ وَأَشْبَعَهُ وَزَیَّنَهُ وَطَيَّبَهُ خَرَجَ الصَّبِيُّ ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا، فَلَمَّا رَآهُ الصِّبْيَانُ قَالُوْا لَهُ كُنْتَ قَبْلَ الْآنَ تَبْكِيْ فَمَا بَالُكَ صِرْتَ الْآنَ مَسْرُوْرًا ؟ فَقَالَ كُنْتُ جَائِعًا فَشَبِعْتُ وَكُنْتُ عَارِيًا فَلَبِسْتُ وَكُنْتُ يَتِيْمًا فَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ أَبِيْ وَعَائِشَةُ أُمِّيْ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أَخَوَيَ وَعَلِيٌّ عَمِّيْ وَفَاطِمَةُ أُخْتِىْ أَفَلَا أَفْرَحُ؟ فَقَالَ الصِّبْيَانُ يَالَيْتَ آبَاءَنَا قُتِلُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَنَكُوْنُ كَذَلِكَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَرَجَ الصَّبِيُّ وَهُوَ يَحُثُّو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَاسْتَغَاثَ وَقَالَ الْآنَ صِرْتُ غَرِيْبًا وًيَتِيْمًا، فَضَمَّهُ أَبُوْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ إِلَى نَفْسِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ) ( زُيْدَةٌ ) . صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِنِصَابٍ فَاضِلٍ عَنِ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَامِيًا وَبِهِ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ، وَتَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ نَفْسِهِ وَوَلِدِهِ الصَّغِيْرِ الْفَقِيْرِ وَعَبْدِهِ لِلْخِدْمَةِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا وَكَذَا مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ، لَاعَنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيْرِ وَطِفْلِهِ الْغَنِيِّ بَلْ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُوْنِ كَالطِّفْلِ وَلَا عَنْ مُكًاتَبِهِ وَلَا عَنْ عَبِيْدِهِ لِلتِّجَارَةِ، وَوَقْتُ أَدَاءِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيْدِ . رُوِيَ ( أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَسِيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيْدِ فَجَعَلَ كَفَارَتَهُ عِتْقَ رَقَبَةٍ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ يَارَسُوْلَ اللهِ نَسِيْتُ زَكَاةَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيْدِ فَجَعَلْتُ كَفَارَتَهُ عِتْقَ رَقَبَةٍ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : لَوْ أَعْتَقْتَ يَاعُثْمَانُ مِائَةَ رَقَبَةٍ لَمْ تَبْلُغْ ثَوَابَ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيْدِ ) ( زَبْدَةُ الْوَاعِظِيْنَ ) قِيْلَ لِأَيِّ شَيْءٍ الرُّكُوْعُ وَاحِدٌ وَالسَّجْدَةُ ثِنْتَانِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا فَرْضٌ ؟ فَقِيْلَ لِأَنَّ الرُّكُوْعَ أَدْعَى لِلْعُبُوْدِيَّةِ وَالسَّجْدَتَانِ شَاهِدَانِ ، فَكَمَا لَمْ يُقْبَلْ الرُّكُوْعُ إِلَّا بِالسُّجُوْدِ فَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ الصَّوْمُ إِلَّا بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَاِنَّهَا شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ ( زُبْدَةُ الْوَاعِظِيْنَ ) رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَعْطَى صَدَقَةَ الْفِطْرِ كَانَ لَهُ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ : الْأَوَّلُ يُطَهِّرُ جَسَدَهُ مِنَ الذُّنُوْبِ . وَالثَّانِيْ يَعْتِقُ مِنَ النَّارِ . وَالثَّالِثُ يَصِيْرُ صَوْمُهُ مَقْبُوْلًا، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إِنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ لِلصَّوْمِ كَسَجْدَةِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ، فَكَمَا تَجْبُرُ سَجْدَةُ السَّهْوِ كُلَّ وَاقِعٍ فِي الصَّلَاةِ فَكَذَا الصَّوْمُ يَجْبُرُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ كُلُّ وَاقِعٍ فِيْهِ وَبِالتَّرَاوِيْحِ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ . وَالرَّابِعُ يَسْتَوْجِبُ الْجَنَّةَ . وَالْخَامِسُ يَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ آمِنًا . وَالسَّادِسُ يَقْبَلُ مَا عَمِلَ مِنَ الْخَيْرَاتِ فِيْ تِلْكَ السَّنَةِ . وَالسَّابِعُ تَجِبُ لَهُ شَفَاعَتِيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَالثَّامِنُ يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ . وَالتَّاسِعُ يُرَجَّحُ مِيْزَانُهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ . وَالْعَاشِرُ يَمْحُو اللهُ تَعَالَى اسْمَهُ مِنْ دِيْوَانِ الْأَشْقِيَاءِ » ( شَيْخٌ زَادَهُ ) وَنُدِبَ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيْدِ، وَلَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيْرِ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيْقٍ أَوْ سَوِيْقٍ أَوْصَاعٍ مِنْ تَمَرٍ أَوْ شَعِيْرٍ وَالزَّبِيْبُ كَالْبُرِّ وَعِنْدَهُمَا كَالشَعِيْرِ؛ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَدَفْعُ قِيْمَةِ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيْرِ ( مُلْتَقَى الْأَبْحَرِ ) وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( مَنْ أَعْطَى صَدَقَةَ الْفِطْرِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ يُعْطِيْهَا سَبْعُوْنَ أَلْفِ قَصْرٍ طُوْلُ كُلِّ قَصْرٍ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ » ( مِشْكَاُة الْأَنْوَارِ ( أَخْرَجَ مُسلِمٌ عَنْ أَبِىْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَفِيْ رِوَايَةٍ أُخْرَى « أَعْطَاهُ اللهِ تَعَالَى ثَوَابَ سِتَّةِ أَنْبِيَاءِ : أَوَّلُهُمْ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالثَّانِيْ يُوْسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالثَّالِثُ يَعْقُوْبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالرَّابِعُ مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْخَامِسُ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالسَّادِسُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ( زُبْدَةُ الْوَاعِظِيْنَ ) يَجِبُ إِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْكَبِيْرِ وَالصَّغِيْرِ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيْحًا أَوْ مَجْنُوْنًا عْنَدَهُمَا؛ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرٍ لَا يَجِبُ عَلَى الصَّغِيْرِ وَالْمَجْنُوْنِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَالدَّارُ الْأُخْرَى لَا يَسْكُنُهَا وَيُؤْجِرُهَا يُعْتَبَرُ قِيْمَتُهَا مَائَتَيْ دِرْهَمٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ وَاحِدَةٌ يَسْكُنُهَا وَفَضَلَ عَنْ سُكْنَاهُ بِهَا شَيْءٌ يُعْتَبَرُ قِيْمَةُ الْفَضْلِ وَكَذَلِكَ فِي الثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ ( مُحِيْطُ الْبُرْهَانِ ) اهـ .